مقال يهمك

2010/11/05

جراح سودانية وشجون مصرية..منار الشوربجي


دعيت الأسبوع الماضى لمحاضرة ألقاها السيد الصادق المهدى، رئيس وزراء السودان الأسبق بالمجلس المصرى للعلاقات الخارجية. وقد تناول الضيف السودانى الوضع الراهن فى بلاده والذى وصفه بأنه يمثل «مفترق طرق بين نعيم ممكن وجحيم محتمل». فهو تحدث تحديدا عن الاستفتاء المزمع إجراؤه فى يناير القادم وفق اتفاق نيفاشا الذى أبرم فى ٢٠٠٥.وهو الاتفاق الذى اعتمد فترة انتقالية مدتها ست سنوات تقودها حكومة وحدة وطنية يتبعها استفتاء يقرر فيه الجنوبيون مصيرهم، إما بالاستمرار فى الدولة الموحدة أو بالانفصال. وكانت الفكرة الجوهرية التى دارت حولها كلمة السيد المهدى هى أن الاستفتاء، الذى صار التزاما يتحتم الوفاء به، إذا لم يكن حرا ونزيها فإنه قد يؤدى لمزيد من تعقيد مستقبل السودان.فنزاهة الاستفتاء من شأنها أن تسمح بمعالجة القضايا الخلافية بالتراضى سواء فى دولة موحدة أو دولتين منفصلتين، بينما يؤدى الاستفتاء المطعون فى شرعيته إلى تعقيد الأمور وفتح الباب على مصراعيه لجحيم الاقتتال. وأعرب المتحدث عن قلقه من أن أطرافا دولية، على رأسها الولايات المتحدة ليست معنية بنزاهة الاستفتاء بقدر اهتمامها بإجرائه فى موعده مهما كانت النتائج ودون النظر إلى مايؤدى إليه ذلك من مزيد من تسميم العلاقة ليس فقط بين الشمال والجنوب وإنما داخل الجنوب نفسه.والحقيقة أننى كنت أستمع للمحاضرة وقلبى مع أشقائنا السودانيين بينما عقلى منشغل بمصر. كنت أشعر بمرارة مصدرها سؤال هيمن على تفكيرى وأنا أستمع للسيد الصادق المهدى. هل فعلا جاء اليوم الذى صار فيه من الممكن أن يلقى أحد محاضرة رصينة يتناول فيها الشأن السودانى بأبعاده المختلفة وأدوار الأطراف الدولية الفاعلة، دون أن يأتى ذكر مصر ولو مرة واحدة؟ وإذا كان ذلك ممكنا فما دلالته بالنسبة لأمن مصر القومى؟فمنذ أن كنا طلابا فى المرحلة الجامعية نتعلم مبادئ علم السياسة، أدركنا أن إحدى المسائل التى لايختلف عليها اثنان من كبار أساتذة العلوم السياسية هى أن السودان، فضلا عن روابط الدم والتاريخ، يرتبط بشكل مباشر بالأمن القومى المصرى. ومن ثم ترسخت فى وعينا الأهمية القصوى للعلاقات بين البلدين.ومعنى ذلك أن من دواعى الأمن القومى لبلادى أن تكون مصر حاضرة بقوة فى كل التفاعلات المهمة التى تتعلق بالسودان ومستقبله، ليس بمنطق الهيمنة وفرض الإرادة المصرية وإنما بمنطق المصالح المشتركة والإسهام الفعال النزيه القائم على احترام إرادة السودانيين باعتبار ذلك الاحترام هو وحده المفتاح لاحترام أبناء السودان للمصلحة الحيوية المصرية.وغياب مصر من مضمون محاضرة الصادق المهدى هو مجرد انعكاس كاشف للواقع وليس منشئا له. فلا أحد يستطيع أن يتجاهل أدوار الأطراف المؤثرة. فأنت سواء قبلت أو رفضت الدور الأمريكى فى السودان لا يمكنك الحديث عما يجرى هناك دون أن تتطرق لذلك الدور المحورى. وغياب مصر من محاضرة عن السودان أبلغ من أى كلام. فمصر فعلا غابت لسنوات طويلة عن تفاعلات رئيسية شكلت مستقبل السودان.وإذا أخذنا المحاضرة باعتبارها ذات دلالة رمزية على دور مصر أو غيابها، تصبح المفارقة أيضا هى السياقات التى ذكرت فيها مصر سواء فى كلمة الضيف السودانى أو فى تعليقات الحاضرين وأسئلتهم. فبعد أن غابت مصر من كلمته أنهى الصادق المهدى حديثه بالإشارة إلى الدور «العربى» المطلوب فى المرحلة القادمة. والمعنى واضح ولا يحتاج لتعليق، إذ لم يعد هناك ما يميز دور مصر عن باقى الدول العربية!وحين فتح الباب للنقاش جاء ذكر مصر مرتين أولاهما حين وجه أحد الحاضرين سؤالا للمتحدث عن أسباب ما وصفه باستبعاد مصر من مجريات الأمور فى السودان، فأجاب رئيس الوزراء السودانى السابق بأن مصر اختارت الابتعاد ولم تستبعد.فحين انخرطت أمريكا بقوة بعد طرح الجنوبيين لفكرة تقرير المصير منذ عام ١٩٩٣ كان الأمريكيون يرغبون فى دور فاعل لكل من مصر وكينيا. لكن مصر رفضت لأنها كانت ضد فكرة تقرير المصير من الأساس.والسؤال الذى يطرح نفسه هنا هو أيهما كان الأفضل بالنسبة لمصر، أن تشارك بقوة وتبحث عن الأدوات والموارد التى تجعل من الوحدة بديلا جاذبا للجنوبيين أم تترك الأمر برمته لأطراف دولية أخرى لها مصالحها بطبيعة الحال؟بعبارة أخرى، غياب مصر لم يمنع بحال المضى قدما فى تكريس فكرة تقرير المصير وتحويلها لواقع.أما المرة الثانية التى ذكرت فيها مصر فكانت أيضا فى مجال الرد على سؤال تعلق بالموقف الأمريكى، فتمنى السيد الصادق المهدى أن تعمل مصر على إقناع أمريكا بشأن الإعداد للاستفتاء.وهو ارتأى أن مصر يمكنها أن تسهم فى إجراء استفتاء نزيه لا عبر التدخل لدى الجنوبيين الذين لا يثقون فى حياد مصر وإنما لدى الولايات المتحدة الأمريكية.كل تلك المعانى التى هى أبلغ من أى تعليق تثير الشجون بالقطع ولكنها أيضا تطرح أسئلة كثيرة حول النشاط المصرى المكثف هذه الأيام بخصوص السودان ومدى فاعليته. هل هو نشاط بعد فوات الأوان هدفه فقط تقليل الضرر الذى قد يلحق بأمن مصر القومى أم أن هناك فعلا ما يمكن إنقاذه؟ سؤال أرجو أن نجد إجابة صريحة عنه. فالسياسة المصرية تجاه السودان تمس كل مصرى ومن حقنا أن نطلع على ما يتم بخصوصها من مصادر مصرية وهو أضعف الإيمان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعليقك يهمنا ويشرفنا

مدونتي صديقتي

أنا انثي لاأنحني كــي ألتقط ماسقط من عيني أبــــدا