مقال يهمك

2011/01/21

لا تدفنوا الرءوس فى الرمال /فهمي هويدي


أصل الداء الذى ساعد على قتل النظام، قمعه الشديد لحرية الرأى والتعبير، وتكميمه لكل الأفواه، وسيطرته على كل وسائل الإعلام التى لم تكن تستطيع أن توجه نقدا لحكومته أو تصرفات بطانته. وكانت نتيجة هذه السياسات استمرار الغليان تحت السطح.بهذه القيود التى كبلت حرية التعبير حرم النظام نفسه من فهم أبعاد ما يجرى تحت السطح، الذى ازدحم بمظاهر الزلفى والنفاق والحرص على ألا يسمع سوى ما يرضيه.. من ثم فإنه فقد جسور التواصل مع أجيال جديدة نهشت البطالة روحها وكرامتها، وكانت تلك الأجيال قوام الغضب العارم الذى اجتاح المدن.قد يكون صحيحا أن النظام حمى البلاد من أخطار تنظيمات متطرفة عصفت بأمن الجيران. لكن الاستقطاب الحاد الذى عاشته البلاد طيلة السنوات الأخيرة، والاعتماد بالكامل على قوى الأمن فقط، والعداء الشديد لكل رأى مخالف حرم النظام من مساندة قوى عديدة كان يمكن أن تكون جزءا من جبهته فى الحرب على التطرف.حين يقرأ المرء الفقرات السابقة سيجد أنها تصف الأوضاع فى أقطار عربية عدة. صحيح أن حالة تونس التى تتصدر نشرات الأخبار هى أول ما يخطر على البال، لكن القارئ سيلاحظ أيضا أن تونس لا تنفرد بتلك الصفات، لأنها تنطبق أيضا على أقطار عربية أخرى مغربية ومشرقية. والحق أن الفقرات كتبت فى التعقيب على ما جرى فى تونس، ولا غرابة فى ذلك، حيث لا نكاد نجد فى الحيثيات التى أوردتها أية مفاجأة.لكن المفاجأة الحقيقية أن تلك الحيثيات تم إيرادها للتدليل على أن ما حدث فى تونس يمثل حالة متفردة خاصة لا تنطبق على غيرها من الدول. والمفاجأة الأخرى أن الذى كتب هذا الكلام زميلنا الأستاذ مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين المصريين (الأهرام 17/1/2011). للدقة فإنه لم ينفرد بهذا الخطاب، لأن الصحف القومية تضمنت تعليقات أخرى عبرت عن نفس الموقف، وبذلت جهدا ملحوظا لإقناعنا بأن ما حدث هناك لايمكن أن يتكرر فى مصر، وإن الذين يلمحون إلى احتمال انتقال العدوى إلى مصر يعبرون عن تمنياتهم الخاصة، بحيث إن أملهم ذاك لا يختلف عن عشم إبليس فى الجنة.لا أعرف إن كان الترويج لفكرة خصوصية وتفرد الحالة التونسية تم تطوعا من جانب بعض كتاب الصحف القومية الذين التقوا عليها «مصادفة»، أم أن ثمة توجيها بذلك، ولكن الذى أعرفه أن هناك فرقا حقا بين الأوضاع فى تونس ونظائرها فى مصر، ولكنه بخلاف ما ادعى زملاؤنا فرق فى الدرجة وليس فى النوع. أعنى أن ثمة أزمة واحدة فى البلدين، ولكن تفاصيلها مختلفة فى كل منهما. أزمة الحريات وإقصاء الرأى المخالف واحدة، والاعتماد على الأمن واحد. واحتكار السلطة والتفاف المنافقين والمهللين حول القائمين على أمرها مشهود هنا وهناك.أما الغلاء الذى طحن الناس والبطالة التى أذلتهم ودفعت بعضهم إلى الانتحار، والفساد الضارب أطنابه فى دوائر عدة، ذلك كله يكاد يكون وباء لم يسلم منه كل منهما. ولا أنكر أن ثمة فرقا لابد من الاعتراف به فى درجة تكميم الأفواه ومصادرة الآخرين وقمعهم، وربما كانت هناك فروق مماثلة فى المجالات الأخرى، ولكن تلك الفروق لا تلغى وجود أصل الأمراض. وتظل محصورة فى درجة الإصابة بها، وللعلم فثمة أوضاع فى مصر أسوأ منها فى تونس، أخص بالذكر منها حالة المجتمع المدنى، الذى هو فى تونس أقوى وأصلب عودا منه فى مصر. ونظرة على وضع اتحادات العمال والنقابات المهنية فى البلد تشهد بذلك. إذ هى حاضرة هناك بقوة فى حين أنها غائبة أو مغيبة تماما فى مصر.رغم أى تشابه يمكن رصده بين البلدين، فالذى لاشك فيه أن أحدا لا يتمنى لمصر أن تواجه ذات المصير الذى واجهته تونس.لكن التمنى وحده لا يكفى، كما أن دفن الرءوس فى الرمال لا يفيد. وللعلم فإن تجنب ذلك المصير ليس فيه سر ولا سحر، حيث طريق الاستقرار وكسب رضى الناس معروف للكافة. وهذا الطريق لا ينفع إلا من خلال الإصلاح السياسى الحقيقى وليس المزور، ومن خلال الالتزام بقيم الممارسة الديمقراطية وليس غشها أو الالتفاف عليها. والعبر فى هذه الحالة عديدة وماثلة بين أيدينا.لكن المشكلة تكمن فى كثرة العبر وندرة المعتبرين. إن الذين لا يتعلمون من دروس التاريخ ينبغى ألا يلوموا إلا أنفسهم إذا ما ضاقت بهم الشعوب فانتفضت وألقت بهم فى مزبلة التاريخ

كيف نفسـر الثورة التونسية؟ /جلال امين


ظللنا فترة طويلة لا نسمع إلا أخبارا سيئة حتى وصلتنا أخبار الثورة فى تونس، فبعثت البهجة فى النفوس والأمل فى أنه من الممكن، رغم كل شىء، ان يجبر الشعب حكامه الظالمين على الفرار. لابد أن هذه الأخبار قد أثارت فى نفس الوقت الرعب فى نفوس الحكام المستبدين فى كل مكان، إذ فوجئوا بأنه مهما كان جبروت قوات الأمن، فهناك حدود لما يمكن عمله إذا بلغ الغضب الشعبى حدا معينا. أما استدعاء الجيش للمشاركة فى قمع الناس، فهو يفترض أن يرضى قادة الجيش بالتحول من حماية الشعب من عدوان خارجى، إلى حماية حفنة ضئيلة جدا من الناس من غضب الشعب، وهو ما لم يتصور الجيش التونسى أنه من الممكن أن يقوم بهكانت المفارقة مذهلة بين ما حدث فى تونس فى الأسبوع الماضى وما حدث فى البرازيل منذ شهرين، حيث تنازل رئيس محبوب للغاية (لولا دى سيلفا) عن ترشيح نفسه لفترة رئاسية جديدة، رفضا منه لفكرة احتكار شخص واحد للسلطة، فانتخب شعبه خليفة له سيدة تنتمى إلى نفس حزبه ومبادئه، وودع الشعب البرازيلى رئيسه العظيم بنفس الحب الذى استقبله به عند انتخابه، بينما اضطر الرئيس التونسى إلى الهروب هو وأسرته، واجدا صعوبة بالغة فى أن يجد دولة واحدة فى العالم تقبل أن تستضيفهولكن التونسيين لم يثوروا فقط ضد احتكار السلطة، ولكنهم ثاروا أيضا ضد سياسة اقتصادية ظالمة لم تجلب النفع إلا لنسبة ضئيلة للغاية من الشعب. إن الذى فجّر الثورة التونسية حادث مروع كان نتيجة مباشرة لهذه السياسة الاقتصادية شاب تونسى يحمل شهادة جامعية، فشل فى العثور على وظيفة يتكسب منها، ففكر فى أن يبيع الخضراوات على عربة فى الشارع، فمنعه رجال الشرطة بحجة أو أخرى من الحجج المألوفة لدينا فى مصر فى تحرش رجال الشرطة بالفقراء من البائعين فى الشوارع، فاستبد الغضب والحنق بالشاب، وسكب كمية من البنزين على جسمه وأشعل فيه النار، فمات محترقا أمام الناس فى الشارع.بطالة شائعة، خاصة بين المتعلمين، مع تجبر وتعنت من السلطة، أدت إلى فقدان الناس صوابهم فخرجوا إلى الشارع مصممين على تغيير النظام.هذا الاقتران بين سياسة اقتصادية ظالمة وديكتاتورية الحكم ليس مصادفة بالمرة، إذ يستحيل فى الحقيقة أن تسمح الديمقراطية بمثل هذه السياسة الاقتصادية، ولا يمكن استمرار هذه السياسة الاقتصادية فى دولة فقيرة إلا فى ظل الديكتاتورية. والمدهش أن المؤسسات الدولية التى تدعو الدول (المسماة بالنامية) إلى تطبيق هذه السياسة الاقتصادية الظالمة (دون التمييز الواجب بين ما يصلح لدولة وما يصلح لأخرى)، هى نفسها (والدول المسيطرة عليها) التى تدعو إلى الديمقراطية والشفافية واحترام حقوق الإنسان. هذا التناقض بين الدعويين مدهش حقا، ولكن غير المدهش هو أن هذه المؤسسات والدول الداعية لها، تبدى صبرا لا حد له على النظم الديكتاتورية التى تطبق هذه السياسة الاقتصادية، وتؤيدها وتدعمها سياسيا واقتصاديا، بحجة أن النظام السياسى أمر «داخلى» لا تستطيع التدخل فيه، بينما هى تعرف بالطبع أن هذا النظام السياسى وهذه السياسة الاقتصادية متلازمان، وأن أحدهما توءم الآخر.هكذا تعودنا طوال العشرين سنة الماضية على أن نسمع الثناء العاطر على الأداء الاقتصادى التونسى من مختلف المؤسسات المالية الدولية: صندوق النقد والبنك الدولى والمنتدى الاقتصادى الدولى، وتصنيف أدائها الاقتصادى على أنه أفضل أداء فى القارة الأفريقية كلها... إلخ.وسبب هذا الثناء العاطر، أن السياسة الاقتصادية التى طبقت فى تونس منذ أواخر الثمانينيات، أى منذ اعتلاء الرئيس المعزول للحكم، هى بحذافيرها توجيهات صندوق النقد الدولى لدول العالم الثالث، وهى نفس السياسة التى طبقتها معظم هذه الدول التى اضطرت لسبب أو آخر إلى تطبيق تعاليم الصندوق. وهكذا تنضم تونس إلى الدول التى شهدت ما يعرف الآن لدى المشتغلين بالتنمية بـ«أحداث الشغب الناتجة عن الصندوق» (IMF riots)، ولكنها فى هذه المرة، ولحسن حظ تونس، تجاوزت مجرد الشغب إلى الثورة الشعبية التى تهدف إلى تغيير النظام بأكمله.من المفيد أن نتذكر هذا ونحن نتأمل السياسة الاقتصادية المصرية وتطورها وآثارها، فنقارنها بما حدث فى تونس لقد بدأ تطبيق هذه السياسة المسماة بسياسة «التكيف الهيكلى» (Structrual Adjustment) فى مصر بمجىء حكومة عاطف صدقى فى 1986، أى قبل عام من اعتلاء زين العابدين بن على حكم تونس. فهذه السياسة عمرها الآن فى البلدين ما يقرب من ربع قرن، ويوعد الناس بأنها سوف تحقق، إن عاجلا أو آجلا، الأهداف الاقتصادية المرجوة، ومن ثم كثيرا ما يشار إليها بإنها «سياسة الإصلاح الاقتصادى». وتتكون من العناصر الأربعة الآتية: تحرير التجارة الخارجية (استيرادا وتصديرا)، واتخاذ الإجراءات اللازمة لحفز الاستثمار الأجنبى على المجىء، وتحويل القطاع العام إلى خاص (الخصخصة)، وسحب يد الحكومة من التدخل فى حرية السوق، فتترك الأسعار حرة (بما فى ذلك سعر الصرف) ويخفض أو يلغى الدعم الممنوح للسلع والخدمات.طبقت تونس هذه الطلبات بسرعة بينما طبقتها مصر ببطء، ومن ثم استحقت تونس ثناء الصندوق وغيره من المؤسسات الدولية، بينما حصلت مصر على ثناء مشوب بالتحفظ، وذلك حتى جاءت حكومة الدكتور نظيف فى مصر منذ ست سنوات، فتسارعت خطوات الحكومة المصرية فى تنفيذ طلبات الصندوق (بل وأظن أن هذا هو الغرض الأساسى من إحلال حكومة نظيف محل حكومة عاطف عبيد)، ومنذ ذلك التاريخ بدأت مصر تحظى من هذه المؤسسات بنفس عبارات الاعجاب التى حظيت بها تونس من قبل.فى البلدين حدث تحسن فى المؤشرات التى يعلق عليها الصندوق أهمية ويقيس بها النجاح والفشل، بينما حدث تدهور فى المؤشرات التى يتجنب الصندوق الكلام عنها، ولا يعيرها اهتماما فى توزيع عبارات الثناء أو النقد: معدل نمو الناتج القومى يرتفع، ومعه متوسط الدخل، والاستثمارات الأجنبية تزيد. (حدث هذا فى تونس فى العشرين سنة الماضية وبدأ يحدث فى مصر منذ ست سنوات). ولكن حدث التدهور الشديد فى ثلاثة أمور لا يحب الصندوق أو المؤسسات المالية الدولية الحديث عنها إلا مضطرة وهى: زيادة البطالة، واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وزيادة انكشاف الاقتصاد أمام المتغيرات العالمية ومن ثم زيادة تأثره بما يحدث فى الخارج من تقلبات. كانت النتيجة أن تونس، بعد أكثر من عشرين عاما من تطبيق سياسة الصندوق، زاد الناتج القومى فيها بمعدل يفوق 5٪ سنويا (أى أكثر بنحو الخمس مما حدث فى مصر)، ولكن زاد أيضا معدل البطالة بشدة فأصبح أكبر من معدل البطالة فى مصر بنحو 50٪ (14٪ من إجمالى القوة العاملة بالمقارنة بـ9٪ فى مصر، طبقا للإحصاءات الرسمية التى يرجح أنها أقل بكثير من الحقيقة فى الدولتين). كذلك اتسعت بشدة الفجوة بين الأغنياء والفقراء، فأصبحت أكبر بكثير منها فى مصر (أغنى 10٪ من السكان فى مصر يحصلون على 8 أضعاف ما يحصل عليه أفقر 10٪ من السكان، بالمقارنة بـ13 ضعفا فى تونس)، طبقا لإحصاءات الأمم المتحدة عن سنة ٢٠٠٧/٢٠٠٨، والأرجح أن الحقيقة أسوأ هنا أيضا بكثير، إذ إن كثيرا مما يحصل عليه الأغنياء لا يُرى ولا يُحسب.كذلك كان أثر الأزمة العالمية الأخيرة التى بدأت فى 2008 أسوأ على تونس منه على مصر، فانخفض معدل نمو الناتج القومى فى البلدين من نحو 5٪ خلال العشر سنوات السابقة على الأزمة إلى 3٪ فى 2009 فى تونس وإلى نحو 4٪ فى مصر.هناك إذن من الأرقام ما يمكن أن يفسر لماذا قامت ثورة شعبية فى تونس قبل أن تقوم فى مصر. ولكن هذه الأرقام لا تقول بالطبع كل شىء، خصوصا إذا تعلق الأمر بالسؤال: متى تقوم الثورة؟ فالبطالة وحجم الفجوة بين الفقراء والأغنياء ليسا إلا سببين من أسباب السخط والثورة. هناك إلى جانب ذلك، درجة الفساد، وهنا أيضا لم يصل الأمر، فيما يبدو، إلى ما بلغه فى تونس، فقد نشر بعد هروب بن على أنه جمع خلال سنوات حكمه ثروة تزيد قيمتها على 13 ألف مليون دولار، تتراوح بين ودائع نقدية فى البنوك الأجنبية، وملكية شركة طيران فى تونس، وملكية عمارات فخمة فى باريس، وفنادق فى البرازيل والأرجنتين... إلخ. فضلا عن أن زوجته تسلمت من البنك المركزى التونسى قبيل الهروب طنا ونصف الطن من الذهب قيمتها 63 مليون دولار.الديكتاتورية وتقييد الحريات سبب آخر للثورة، وهنا نجد أيضا لدى التونسيين، فيما أظن سببا أقوى مما لدى المصريين، فنظام بن على فى تونس كان أشد قسوة وأكثر غلظة فى معاملة المعارضين وفى تقييد الحريات من النظام الحالى فى مصر.ولكن هناك أيضا أسبابا أخرى للسخط تتفوق فيها مصر على تونس. فزين العابدين بن على لم يحاول توريث الحكم لابنه مثلما يحاول النظام المصرى منذ عدة سنوات، وهناك أيضا درجة الفقر نفسه. فالفقر إذا تجاوز حدا معينا يولد شعورا لدى الفقير بأنه ليس لديه ما يفقده، وأنه مهما كانت خطورة الاحتجاج وعقوبة التمرد، فلن تكون أسوأ كثيرا مما هو فيه. وهنا لدى المصريين أسباب أقوى للسخط مما لدى التونسيين، فمتوسط الدخل فى مصر أقل من نصف مستواه فى تونس، ونسبة الواقعين تحت خط الفقر فى مصر (أقل من دولارين فى اليوم) تبلغ سبعة أضعاف حجمها فى تونس (44.6٪ من السكان فى مصر مقابل 6.6٪ فى تونس).أسباب السخط كثيرة إذن، والأرقام تشير فى اتجاهات متعددة والذى يحسم الأمر فى النهاية ليس هو حاصل جمع وطرح، ولكن أمورا نفسية يصعب قياسها، كقوة الشعور بالغضب، ودرجة عناد أصحاب السلطة، ناهيك عن مدى تأييد قوى خارجية للمتمردين فى الداخل

مدونتي صديقتي

أنا انثي لاأنحني كــي ألتقط ماسقط من عيني أبــــدا