ما يحدث، الآن، على الساحة المصرية ينذر بالخطر وينبئ بما هو أخطر.ما يحدث، على جميع الأصعدة، السياسية والدينية والإعلامية وحتى الرياضية، يكشف عن حالة من الغليان والفوران غير المحسوب وغير المبرر، ويعكس عنفا، على ما يبدو كان دفينا، يهدد استقرار دعائم المجتمع المدنى بجميع أشكاله وبجميع طوائفه.ما يحدث، أقرب ما يكون لفتنة كبرى، فتنة لا تتوقف عند شكلها التقليدى «الطائفى»، أو حالتها المعتادة «السياسة».. بل تتقدم لتضم «التعصب» الكروى إلى صفوفها وتقتحم أسوار الإعلام لتقبع فى داخله محركة لأصناف الفتن المختلفة.وعن الأخيرة «الفتنة التى تسكن عقل صناع الإعلام» أتحدث..فحينما حدثت فتنة بيشوى ـ العوا.. كان الإعلام البطل كالعادة، وكان تيار إلهابها شديدا، وهى فتنة شهية لأية وسيلة إعلامية.. ولا أملك يقينا فى الاعتراض على ما تنشره هذه الوسائل، ولكننا فى «الشروق» من بين فريق يخاف من أقل مسئولية أو من أدنى مشاركة فى الترويج لفتنة قد تصيب المجتمع فى أعز ما يملك: توافقه وتجانسه وتعايشه.. حاولنا فى «الشروق» الهرب من النشر المثير مع بذل الجهود لإرضاء القارئ فى حقه فى المعرفة، حاولنا.. وتصدى لنا البعض عاتبا أو نافيا.. ولم نغضب أو نحزن من العتاب أو النفى لإيماننا العميق بضرورة وأد الفتنة، أو أضعف الإيمان عدم المشاركة فى إشعالها.فتنة العوا ـ بيشوى، لا تزال مشتعلة.. نارها تأكل الحقائق وتلتهم ثوابت الأمة التى تحميها، ولا تجد من يخمدها.. فتنة تتقدم.. نجد أمامنا تصريحات قاتلة للأنبا بيشوى فنهرب منها، ربما يكون فى غير صالح نجاح الصحيفة ـ من وجهة نظر البعض ـ لكن من الأكيد أن عدم نشر مثل هذا الكلام غير المسئول، هو فى صالح الجميع.. وعندما تراجع بيشوى فى كل ما ذكره.. تسابقنا، فى «الشروق»، لنشره بطريقة لافتة كمحاولة للمشاركة فى إخماد فتنة لعينة.فى قصة بيشوى ـ العوا.. كانت سياستنا هى التهدئة، مرات ومرات، دون النظر إلى الإلحاح بنشر ما قد يضر، لأن الانحياز للقارئ يعنى أولا وأخيرا الانحياز لمصلحته ولمصلحة المجتمع الذى يعيش فيه.المشكلة التى تواجه الإعلام بالفعل، وعليه أن يعيها جيدا، أن الفتنة تتقدم، ليس فقط فى الملف الطائفى «الإسلامى ـ القبطى» ولكن فى جميع الملفات، فقد تم اختصار الحراك السياسى بكل عناصره فى «فتنة التوريث» دون وجود آلية حقيقية «إعلامية على الأقل» لفتح نقاش عام حول ما يحدث فى دهاليز الحكم فى مصر، سواء فى اللحظة، أو فى المستقبل القريب، والسياسة حينما تترك مساحة الجدل والنقاش أو حتى الاختلاف والصراع، وتذهب إلى منطقة «الفتنة» تتحول من سياسة تبحث عن الإصلاح والتقدم إلى سياسة تمضى فى طريق التخريب والهدم.الفتنة تتقدم بجرأة.. وتجد كل المساحات للتقدم وتجد كل العون «خاصة من الإعلام» للمساعدة.. تعصب كروى معتاد، هو بالطبع مذموم، لكن ترك الحبل على الغارب جعل من «التعصب المذموم» فتنة متقدة تدفع صبية لاهين إلى اقتحام مبنى، وحتى تهديد الأطفال على أحواض السباحة ولتشتعل سريعا لتصبح معركة فى شارع رئيسى «البطل أحمد عبدالعزيز» يخلف وراءه ضحايا.. وتلفيات فى ممتلكات عامة وخاصة.الأخطر أن الإعلام لا يتوقف.. فها نحن نسمع أن الجماهير الأخرى تخطط لاقتحام مبنى النادى الذى اقتحمت جماهيره مقر ناديهم.. فمن يئد هذه الفتنة غيرنا؟الإعلام هو محرك الفتنة من وجهة نظر البعض، وربما يكون معهم بعض الحق، لأن هناك أسبابا أخرى.. ولأنه محرك الفتنة فقد تصيبه النار أحيانا.. كما حدث فى واقعة الصورة التى نشرتها صحيفة الأهرام.. وعدلت فيها موقع الرئيس.. تحولت إلى فتنة صحفية طارت سريعا إلى أوروبا وأمريكا.. فتنة غير مبررة، لكنها تعكس واقعا مأساويا يجب تعديله وتبديله فى أقرب وقت.. وأيضا فى هذه الحادثة حاولنا التهدئة بعدم النشر، لأننا نرى دائما مصلحة القارئ ضمن مصلحة المجتمع بشكل عام.. فليس صحيحا أن حق المعرفة مقدس طوال الوقت، فإذا كان نشر المعلومات فى بعض الأحيان يضر بالصالح العام.. فلابد من الفكاك من نشر هذه النوعية من المعلومات.والأزمة لا تتوقف عند تقدم الفتنة فقط، بل تتعداه إلى التعدى على الحرية التى باتت تتراجع يوما بعد الآخر، فخلال الأسبوع الماضى، ساد مناخ عام أن الإعلام مستهدف وأن وأده هدف.. واستئصال بعض عناصره رغبة.. وهى أمور تصل إلى مرتبة «الفتنة» فحينما حاول أحد مقدمى البرامج التى توقفت لأسباب جانبية غير مباشرة، حاول التعبير عن غضبه عن هذا التوقف المفاجئ، وله الحق فى الغضب، تحاشينا ما قال لصالحه ولمصلحة جمهوره.. وحينما عاد ونفى ما قال كنا أول من نشرنا وأبرزنا ما قال تصحيحا لموقف نتمنى أن يمر على خير.لكن الأزمة.. أن الفتنة تتقدم والحرية تتراجع فلم تمض ساعات على غلق البرنامج الأول، حتى غاب صوت آخر عن جمهوره.. وهى دلالات خطرة وخطيرة.. ننبه إليها صراحة وبعلو الصوت أن الحرية هى الأداة الوحيدة، والوحيدة فقط التى تمنح المجتمع سلاحا ممتازا للرقابة على كل شىء بداية من الفتنة ووأدها، وهى مسئولية الجميع، مرورا بكل قضايا المجتمع الذى بات الفساد يعشش فى جنباته وفى أراضيه المترامية الأطراف.. لكن لا أحد يريد أن يسمع، بل واضح أن الرغبة الآن لا تتوقف عند حدود رفض السماع بل إسكات كل الأصوات.. فهل هذا هو الهدوء القادم الذى يسبق العاصفة؟ عاصفة الفتنة؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
تعليقك يهمنا ويشرفنا