لايزال «تياترو» محمد علي يتمتع بطابعه الخاص، وبعد قرابة قرن من الزمان على انشائه عام 1918 وافتتاحه بعدها بثلاثة أعوام عام 1921 ليتيح الفرصة لأهل الفن لتقديم عروضهم المسرحية فيه، سواء من داخل أو خارج مصر وما زال رواده منذ ذلك الوقت يحتفظون ببعض من تاريخه في أشكالهم وأزيائهم التي تعتبر قمة الأناقة حتى في هذا العصر الذي نعيشه، إلا أن رواد تياترو محمد علي والذي سمي لاحقاً بمسرح «سيد درويش» تحديداً عام 1962 والذي أصبح منذ أكثر من عام أوبرا لمدينة الاسكندرية بعد ترميمه واصلاحه وتطويره ليناسب تاريخه وطرازه المعماري الفريد الذي ينتمي إلى عمارة عصور النهضة الاوروبية والذي احتفل مؤخراً بمرور عام على افتتاحه الرسمي فجاء المدعوون بأزياء تناسب عصره السابق وتاريخه.
وقبل البدء في سرد قصة «تياترو محمد علي» يجب أن نذكر لماذا انشئ مثل هذا المبنى العريق في مدينة الإسكندرية بالذات وبالتالي يجب أن نبدأ منذ عصر الخديوي اسماعيل الذي صاحبه زحف التجار الأجانب الى الإسكندرية فأصبحت من أهم المراكز التجارية وصدرت بها بعض الصحف مثل الأهرام التي صارت فيما بعد من أهم الصحف اليومية المصرية، وجريدة المقطم التي كانت مشهورة قبل اغلاقها، عقب ثورة يوليو 1952.
كما أقيمت بها المسارح مثل مسرح زيزينيا والهمبرا حيث كانت بداية المسرح السكندري في عام 1876 عندما جاء «سليم نقاش» من لبنان إلى مصر وقرر أن يقدم نشاطه الفني بالاسكندرية فقدم مسرحية البخيل لموليير وابو الحسن المغفل وهارون الرشيد.
وفي عام 1877 أغلق المسرح السكندري لأنه بدأ في تقديم مسرحيات أجنبية لا يقبل عليها الجمهور خاصة وأن هذه الفترة كانت تشهد بوادر قيام الثورة العربية وبالرغم من ذلك اقتصر التمثيل في المسرح على الفرقة الأجنبية خاصة بعد اغلاق مسرح يعقوب صنوع عام 1871 الذي ارتبط منذ بدايته ارتباطاً كاملاً بقضايا المجتمع السياسية والاجتماعية والاقتصادية ليأتي بعد ذلك دور «تياترو محمد علي» والذي أنشئ في الفترة الاولى من حكم السلطان فؤاد الأول وارتبط بمسرحيات وأبريتات الراحل «سيد درويش» منذ انشائه عام 1918 على مساحة 2568 مترا مربعا في شارع فؤاد والذي أصبح طريق الحرية فيما بعد بمنطقة محطة الرمل بمدينة الإسكندرية وتم افتتاح المسرح رسمياً عام 1921. ويدعي «بدر الدين قرداحي بكح» لبناني الجنسية بإنشاء مبنى يضم مسرحاً رغبة منه في انعاش النهضة الثقافية للاسكندرية في ذلك الوقت وقام ببنائه المهندس الفرنسي جورج بارك ليكون شبيهاً بمسرح «قصر أوديون» الشهير بفرنسا لكنه على الطراز الإيطالي في المعمار وتعلو واجهة المسرح «فرنتون» مشيد على أعمدة كورنيش أما من الداخل فيتخلله بهو يؤدي إلى الصالة و«البناوير» والأدوار العليا ويتكون المسرح من ثلاثة طوابق وتعلو صالة العرض قبة مستديرة.
المسرح من الخارج عبارة عن مستطيل يمثل ضلعاه القصيران الشمالي والجنوبي واجهة المسرح الخلفية والرئيسية أما ضلعاه الطويلان فيمثلان واجهتي المسرح الجانبيتين الشرقية والغربية.
الواجهة الجنوبية هي الواجهة الرئيسية حيث يقع بها المدخل الرئيسي للمسرح وهذه الواجهة غنية بالزخارف النباتية والآدمية والتكوينات الهندسية ذات الطابع الكلاسيكي الذي اشتهر في عصر النهضة الأوروبية وتتكون الواجهة الرئيسية من جناحين مربعين يتكونان من ثلاثة طوابق يربط بينهما جزء مستطيل أقل منها في الارتفاع ومتوج بقمة مثلثة، وقد فتحت بهذا الجزء المستطيل الأوسط ثلاثة مداخل تؤدي إلى داخل المسرح ولقد صممت على هيئة عقود نصف دائرية وزينت بطون هذه العقود بمربعات تشغل كل منها زهرة رباعية الفصوص ويتم حمل هذه العقود بواسطة زوجين من الاعمدة في كل جانب وهي ذات تيجان ايوانية تتدلى منها زخرفة الجدائل النباتية كما تزين بزخرفة البيضة والسهم ـ وهي جزء من العمارة الايطالية المنتشرة في القاهرة وخاصة في شوارع عماد الدين وميدان التحرير ـ وقد شغلت أكتاف هذه العقود بزخارف نباتية ممثلة في أشكال أنصاف مراوح داخلية يخرج من وسطها وجه آدمي باسم ثم بالكتف الآخر نجد زخارف نباتية يخرج من وسطها وجه آدمي عابس وتتكرر هذه الزخرفة لتمثل شعار المسرح التراجيدي والكوميدي.
وإذا دخلنا إلى المسرح نجد أن المدخل الجنوبي هو الذي يقودنا إلى بهو المسرح من الداخل ذو التركيبة المعقدة إذ يتكون من قاعة غير مكتملة الاستدارة (على هيئة حدوة الفرس) يتقدمها من جهة الشمال خشبة المسرح وهي المستطيلة الشكل التي يحيط بهذا البناء المستدير أجنحة تملأ الفراغ الناشئ عن وجود البناء المستدير داخل محتوى مستطيل الشكل.
ويجد الداخل إلى الصالة على يمينه ويساره مدخلين متقابلين يؤديان إلى قاعتين متسعتين تحيطهما مجموعة كبيرة من الأعمدة وأنصاف الأعمدة.
كما زينت أركان سقف صالة البهو بزخارف قوامها الآلات الموسيقية المتداخلة وهي عبارة عن عود ومزمار ورق ونوتة موسيقية مع وجود بعض العناصر النباتية ويوجد أعلى مدخل القاعتين الشرقية والغربية ورقة نباتية ذات شكل هندسي محدود جداً وملفوفة من أسفل تحمل الزخارف على اليمين واليسار وتمثل سائر المسرح كما تحمل كوشة بداخلها إناء تخرج منه باقة ورد، وعلى جانبي الإناء ورقة نباتية ملفوفة، ويلاحظ أن زخرفة الشرفة والافريز تحتوي على ورقة نباتية محورة على شكل وجه آدمي ذو لحية. ومن الوصف الهندسي للمسرح العتيق والأنيق الذي تحول فيما بعد باسم فنان الشعب «سيد درويش» الذي صنع أول أوبريتات وأوبرات مصرية وقبة المسرح التي يحيطها شريط زخرفي عريض كتب عليه اسماء لاتينية لفنانين أوروبيين أشهرهم موتسارت وفيردي وروسيني وفاجنر.
يجب أن نذكر أهم المقتنيات التي تم العثور عليها أثناء ترميم المسرح واعادة تطويره ليصبح دار أوبرا الاسكندرية ومن ضمن هذه المقتنيات ورقة تمثل تذكرة دخول حفل خاص يجمعه أصدقاء مرضى أحد مستشفيات جامعة الإسكندرية وعليها كتابات نصها (تقيم الجمعية حفلها السنوي الخيري حيث تقدم فرقة ثلاثي أضواء المسرح الكوميدية مساء الجمعة 22 مارس 1974) سعر التذكرة 100 جنيه مصري وعثر عليها أثناء فك الارضيات الخشبية ببناوير الطابق الثاني.
كذلك تم العثور على قطعة معدنية دائرية قطرها 2 سم على أحد وجهيها كتابات «سلطنة مصرية» باللغة الانجليزية ويحيط بها ما يشبه هلالين متقابلين في الجزء الأسفل من القطعة مدون عليها تاريخ 1917 باللغة الانجليزية أيضاً تم العثور على دفتر تذاكر مؤرخ 1949 حيث يحتوي على ثلاث تذاكر حيث دون على وجه الغلاف على اليسار شــعار تياترو محمد علي وعلى اليمين وداخل اطار مستطيل كتابات باللغة العربية والفرنسية (تياترو محمد علي) مما يمثل مرور تياترو محمد علي بأزمنة مختلفة وشهد على أحداث فنية وسياسية واجتماعية مختلفة.