في 14 يونيو (حزيران) من عام 1980 بثت الإذاعة البريطانية ومن بعدها الفرنسية، ثم وكالات الأنباء العربية والعالمية كافة، خبر مقتل الدكتور يحيى المشد، فقد عُثر على جثته مقتولاً في غرفته في فندق ميريديان في باريس. تمت جريمة القتل مساء 13 يونيو، لكن معظم من قرأ الخبر لم يتوقف عنده، فيومياً يشهد العالم مئات جرائم القتل في شتى أنحاء المعمورة، وبمختلف الأساليب الإجرامية.
قبل ذلك التاريخ لم يكن أحد يعرف من هو الدكتور يحيى المشد، لكن شيئاً فشيئاً بدأت ملامح الصورة الحقيقية تتكشف بحجمها الطبيعي وأبعادها كافة، إذ اتضح أولاً أنه عالم ذرة مصري له باع طويل في الطاقة النووية، بل اتضح أنه أحد كبار علماء الذرة في العالم وله وزنه العلمي في هذا المجال، ثم اتضح أنه المشرف على برنامج العراق النووي، وبسببه تقدم البرنامج خطوات واسعة إلى الأمام، حتى صار بإمكان بغداد تصنيع القنبلة الذرية قبل عام 1984، إذاً فالقضية لم تكن مجرد جريمة قتل، بل إحدى حلقات الصراع العربي - الإسرائيلي، ومن هنا نبدأ القصة بتفاصيلها الأليمة.
الدكتور يحيى أمين المشد من مواليد عام 1932 في محافظة البحيرة الملاصقة لمحافظة الإسكندرية. أمضى حياته في الإسكندرية، وتخرج في كلية الهندسة قسم كهرباء، جامعة الإسكندرية عام 1952، ثم بُعث إلى الاتحاد السوفييتي لدراسة هندسة المفاعلات النووية عام 1956، وأسند إليه القيام ببعض الأبحاث في قسم المفاعلات النووية في هيئة الطاقة النووية في مصر، وسافر إلى النرويج عامي 1963 لإجراء بعض الدراسات.
هناك تلقى عروضاً كثيرة لمنحه الجنسية النرويجية، بلغت أحياناً درجة المطاردة طوال اليوم، لكنه رفض، وما أثار انتباهه الإعلام الموجه لخدمة الصهيونية العالمية وتجاهل حق الفلسطينيين وأزمتهم، فما كان منه إلا أن جهز خطبة طويلة حول الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
انتهز المشد فرصة دعوته إلى إحدى الندوات المفتوحة، وألقى كلمه أثارت إعجاب كثيرين، لكنها أثارت غضب اللوبي الصهيوني والموساد في النرويج، ومع تصاعد المضايقات الشديدة قرر الدكتور العودة إلى مصر.
في مصر، عمل المشد كأستاذ مساعد، ثم كأستاذ في كلية الهندسة في جامعة الإسكندرية، وأشرف على أكثر من 30 رسالة دكتوراه، ونشر باسمه 50 بحثاً علمياً، تركز معظمها على تصميم المفاعلات النووية ومجال التحكم في المعاملات النووية.
في أعقاب حرب يونيو 1967، توقف البرنامج النووي المصري تماماً، ووجد علماء وخبراء مصريون في هذا المجال أنفسهم مجمدين عن العمل الجاد، أو مواصلة الأبحاث في مجالهم، وبعد حرب 1973 وبسبب الظروف الاقتصادية لسنوات الاستعداد للحرب أعطيت الأولوية لتخفيف المعاناة عن جماهير الشعب المصري التي تحملت سنوات مرحلة الصمود وإعادة بناء القوات المسلحة لأجل الحرب، بالتالي لم يحظ البرنامج النووي المصري آنذاك بالاهتمام الجاد والكافي الذي يعيد بعث الحياة في مشروعاته المجمدة.
في عام 1974 طلبت جامعة بغداد المشد للتدريس بها، فعلّم هناك مدة أربع سنوات، فتمسك به العراق وعرض عليه المسؤولون العراقيون العمل في مؤسسة الطاقة الذرية العراقية، إضافة إلى التدريس لبعض الوقت في كلية التكنولوجيا. ووافق المشد على العرض العراقي لتوافر الإمكانات والأجهزة العلمية والإنفاق السخي على مشروعات البرنامج النووي.
في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1975 وقع العراق اتفاقية مع فرنسا للتعاون النووي، وبعد تعيينه كان المشد المشرف على البرنامج العراقي - الفرنسي في مجال الطاقة النووية، وبدأ يتفاوض مع فرنسا كي تحل العراق مكان إيران في شراء نسبة من اليورانيوم كان متفقاً عليها قبل ثورة الخميني.
كان الاتفاق العراقي - الفرنسي يقضي بتزويد العراق بمركز أبحاث نووي كبير، يضم مفاعلين يمكنهما تدريب نحو 600 عالم وفني على الأقل، وأن تقدم فرنسا للعراق 70 كيلو غراماً من اليورانيوم المشبع بنسبة 93% لتشغيل المفاعلين، والكمية كانت تكفي لإنتاج قنبلة نووية، فكان أن تعرضت فرنسا لضغوط أميركية وإسرائيلية لتعديل هذا البند في الاتفاقية، فقررت تزويد العراق بنوع آخر أقل مما هو مطلوب، لكن العراق رفض تغيير البند، فكان أن بدأت الموساد عمليات تخريب في فرنسا.
وقّع العراق بعدها اتفاقية مع إيطاليا للتعاون النووي بينهما، تضمنت توريد أربعة معامل، أحدها يضم «خلايا ساخنة»، والثلاثة الباقية كانت لأجل الأبحاث الطبية والزراعية وحفظ الأطعمة. كذلك وافقت إيطاليا على تزويد العراق باليورانيوم، وكما حدث لفرنسا حدث لها، إذ تعرضت لضغوط شديدة كي لا تنفذ الاتفاقية، وعندما لم تستجب باتت هدفاً لفرق التخريب الإسرائيلية.
عملية BIG LIFT
في مساء 4 أبريل (نيسان) من عام عام 1979 هبط في مطار طولون ثلاثة من رجال المخابرات الإسرائيلية، يحملون جوازات سفر فرنسية مزورة، وعلى رغم أنهم كانوا معاً إلا أن كلا منهم بدا غريباً عن زميليه، وتفرقوا من دون التفوه بأية كلمة، ونزل كل واحد منهم في فندق متوسط، ودفع الأجرة مسبقاً، ثم تجولوا عند الحادية عشرة مساء في المدينة وهم فرادى ليتأكد كل منهم بأن أحداً لا يتبعه، وتقابلوا في حارة ضيقة ومظلمة بالقرب من محطة القطارات.
هناك كانت تنتظرهم سيارة رينو، انطلقت بهم إلى بيت منعزل يقع في شمال المدينة، لينضموا إلى أربعة آخرين. أي خطة سينفذون؟ الأولى: فك قلب المفاعل العراقي المعروف بقرص العسل ونقله من المصنع إلى تل أبيب، أم الثانية: أن يتم تفجير قلب المفاعل إذا فشلت عملية فكه ونقله، واختيرت ليلة 7 أبريل لتنفيذ العملية لأن هيئة الأرصاد أعلنت في تنبؤاتها الجوية أنها ستكون ليلة مليئة بالغيوم السوداء.
استعرض العملاء السبعة خريطة كانت معهم لأحد مواقع الصناعات البحرية يعرف باسمS.N.Y.M. في بلدة لاسين سومير على بعد سبعة كيلومترات من طولون، وهي مدينة صناعية عمالية تضم ترسانة بحرية ضخمة، وتصدر غالبية ما تصنعه، ولم يكن يتوافر لها حراسة كافية.
حتى ذاك التاريخ لم يكن أحد يعرف ما في الصالة رقم (3) في الترسانة البحرية، حيث يتم تخزين الأجزاء الرئيسة للمفاعلين الذريين العراقيين «تموز 1» و «تموز 2»، وكان الجانب الفرنسي يطلق عليهما إيزيس وأوزيريس، وكانا على وشك شحنهما إلى العراق، ويوجد بهما الشحنة المطلوبة من اليورانيوم عالي النقاء، التي تبلغ 65 كيلو غراماً، ما يعني ان العراق سيكون بإمكانه تصنيع قنبلة نووية تبلغ ستة أضعاف قنبلة هيروشيما، وهذا ما قررت اسرائيل منعه مهما كان الثمن...
كان من المقرر شحن أجزاء المفاعلين في ليلة 9 أبريل، لتوضع على أوتوستراد رقم 559 - N إلى ميناء مرسيليا، ومنها إلى البصرة. تسرب الخبر بواسطة أحد عملاء الموساد في المصنع، وكان من السهل اكتشاف السيارات المصفحة التي وضعها المصنع لحماية الشحنة السرية من أي أخطار محتملة، وعلى رغم ذلك فإن وجود هذه السيارات المفاجئ يشير إلى وجود شيء مهم وخطير.
في العاشرة من صباح يوم 5 أبريل تجول ثلاثة من عملاء الموساد بالقرب من الترسانة البحرية، وعنابر التخزين الكبيرة المطلية بألوان العلم الفرنسي الثلاثة الأزرق والأبيض والأحمر.
في الواحدة من صباح يوم 6 أبريل انطلقت سيارتا نقل من البيت المنعزل حيث يقيم العملاء السبعة، في اتجاه هذه الترسانة، وكانت الليلة شديدة السواد وهادئة تماماً، وكان معروف عند هؤلاء العملاء ألا دورية حراسة حول المكان في الثالثة صباحاً، لأنه في هذا الوقت يتم تغيير نوبة الحراسة ويظل المكان من دون حراسة بعض الوقت.
كان هناك أربعة رجال في السيارتين ظلوا بلا حراك مدة من الوقت، ثم هبطوا منها، وألقوا بسلالم معلقة على الجدران التي يصل ارتفاعها إلى أربعة أمتار، ثم تسلقوها بخفة وسرعة، وفي خلال دقائق كانوا على باب العنبر المخزن به المفاعلين، وبواسطة مفتاح خاص أحضره لهم عميلهم في الموقع، تمكنوا من فتح الباب، وكان هناك في اللحظة نفسها زميل لهم نجح في إبطال جهاز الإنذار.
كانوا يعرفون أين الأجزاء المطلوبة، فاتجهوا إليها متجاوزين أجزاء مشابهة صنعت لدول أخرى، وكان العمل في الأجزاء المطلوبة للعراق قد انتهى قبل أسبوع، وتم تغليف قلب المفاعل بالأغطية البلاستيكية، واستعد المهندسون الفرنسيون للسفر إلى بغداد للإشراف على تركيبه، الذي كان مقرراً نصبه على عمق 11 متراً تحت سطح الأرض.
كانت الصناديق العراقية مميزة بأرقام وحروف معينة، ثم لم يصعب على المتسللين الإسرائيليين الوصول إلى هدفهم، وفوراً راحوا يفكون «قرص العسل» أو قلب المفاعل المكون من ثمانية أجزاء، من دون انبعاث أي أصوات، لكن بعد مرور 40 دقيقة وجدوا صعوبة في عملية فكه ونقله، وكان أن قرروا تنفيذ الخطة البديلة، وهي تفجيره.
أوصل المتآمرون قرص العسل بثماني شحنات من المواد المتفجرة، من النوع الذي يستعمل لتفجير الدبابات والعربات المصفحة، ثم أسرعوا بالخروج بعد تركيب جهاز تفجير موقت من النوع المعقد والدقيق جداً، ثم اختفوا في سواد الليل.
بعد خمس دقائق حدث الانفجار الذي هز المبنى كله، ولم تفلح صفارات الإنذار ولا سيارات الإطفاء في إنقاذ الكثير، فقد احترق 60% من المفاعلين، وبلغت الخسائر 13 مليون دولار.
تولت المخابرات الفرنسية التحقيق في الحادث لارتباطه بمواد مشعة محظورة، وقال المسؤول عن التحقيق آنذاك: «عملية التفجير نفذت بدقة تدل على خبرة في التفجير، ومعرفة في التجهيزات النووية لدى من قاموا بها، فهم لم يتصرفوا عشوائياً، وإنما اختاروا مباشرة الأجهزة المطلوب نسفها، ولا شك في أنهم كان لهم شركاء مهمون داخل المصنع».
كان جاك شيراك رئيس الحكومة الفرنسية التي وقعت الاتفاقية مع العراق عام 1974، أما رئيس الحكومة خلال الحادث (أبريل 1979) فكان جيسكار ديستان، الذي وجد نفسه بين نارين، نار الرغبة في استمرار التعاون التجاري والبترولي مع العراق، ونار المعارضة التي ستحاسبه على ما سبق أن أعلنه بمنع تصدير اليورانيوم للعراق، لكنه لم ينس أن العراق يصدر إلى فرنسا 20% من احتياجاتها البترولية، وأن اتفاقية التعاون النووي تبلغ ملياري دولار.
في البداية اعتذر ديستان عن استمرار التعاون النووي مع العراق، لكن بعد ذلك وتحديداً في مارس (أذار) عام 1980 أعلنت الحكومة الفرنسية وبكلمات مقتضبة وحاسمة عن تغيير سياستها الحالية بالنسبة إلى موضوع الذرة، فقد قررت بيع اليورانيوم النقي إلى العراق، وبناء مفاعل ذري بطاقة 70 ميغاوات، وتدريب 600 مهندس وفني عراقي في باريس. كذلك تلقى العراق من إيطاليا معامل أبحاث ذرية قيمتها 30 مليون دولار، وأبدت البرازيل استعدادها لبيع اليورانيوم للعراق.
هكذا... دبّ النشاط مجدداً في البرنامج النووي العراقي، الذي يشرف عليه الدكتور يحيى المشد عالم الذرة المصري المرموق، ومنذ ذاك الحين بدأت العيون تتابع حركاته وتعد عليه أنفاسه
البرنامج النووي العراقي.
الضربة الثانية
بدا للجانب الإسرائيلي أن تدمير المفاعلين العراقيين قبل شحنهما إلى العراق عملية غير مجدية، وحقق العراق بعدها مكاسب سياسية، واستأنف البرنامج النووي نشاطه كأن شيئاً لم يحدث، فكانت الضربة الثانية اغتيال العالم المصري المشرف على البرنامج، الذي بات يرتبط بعلاقات وطيدة مع كبار علماء الذرة في فرنسا وبعض البلدان الأخرى ذات السبق في هذا المجال، وفي وجوده كان برنامج العراق يقفز بسرعة نحو الأمام، لذا لا بد من تصفية هذا العالم.
تتفوّق المخابرات الإسرائيلية على أجهزة مخابرات العالم كافة في عمليات التصفية الجسدية، ولها خبرة لا تتوافر لمثيلاتها، بالنظر إلى عدد الشخصيات التي قتلتها منذ اغتيال الوسيط الدولي ومبعوث الأمم المتحدة الكونت برنادوت في 17 سبتمبر (أيلول) من عام 1948، مروراً بعشرات الشخصيات والقيادات العربية والفلسطينية، ونجحت فعلاً في اغتيال الدكتور المشد أثناء إقامته في فندق ميريديان في باريس.
عثر على جثة المشد ظهر يوم السبت الواقع في 14 يونيو (حزيران) عام 1980 في غرفته في فندق المريديان في باريس، وكان في هذا الوقت موفداً في مهمة رسمية بحكم منصبه الذي كان يشغله كمدير لمشروع التعاون النووي العراقي الفرنسي.
في ظهر هذا اليوم طرقت عاملة التنظيف باب حجرة المشد الذي علق عليه لافتة «ممنوع الإزعاج»، وعندما فتحت الباب وجدته ملقى على الأرض وعلى رأسه غطاء سميك وكان يرتدي ملابسه الكاملة، والدماء تغرق رقبته وشعره ووجهه وثيابه والأرضية وجدران الغرفة، فأبلغت الشرطة الفرنسية التي سجلت في تقريرها: «كان القاتل في الحجرة عندما دخلها القتيل الذي فوجئ به فقاومه بشدة وظهرت آثار المقاومة على رقبة القتيل وثيابه الذي عوجل بضربات شديدة على رأسه، ثم كتمت أنفاسه بغطاء الفراش حتى مات».
كالعادة، تُحاط الاغتيالات دائما بالتعتيم الإعلامي والسرية والشكوك المتعددة حول طريقة الاغتيال، وكان أول ما تردد أن الموساد استطاع اغتيال المشد عن طريق فتاة ليل فرنسية، لكن ثبت عدم صحة الكلام، فماري كلود ماغال أو ماري إكسبريس كشهرتها، الشاهدة الوحيدة، وهي فتاة ليل فرنسية كانت تريد أن تمضي معه سهرة ممتعة، أكدت في شهادتها أنه رفض تماماً مجرد التحدث معها، وأنها ظلت تقف أمام غرفته لعله يغيّر رأيه، حتى سمعت ضجة في الغرفة.
كانت الشرطة الفرنسية قد سألت ماري التي شوهدت تتحدث مع الدكتور المشد قبل صعوده إلى غرفته، وقالت إن الدكتور رفض تمضية الليلة معها بكل حزم على رغم محاولاتها المستميتة فانصرفت فوراً، لكنها عادت وقالت إنها سمعت أصواتاً في حجرته بعد دخوله بعشر دقائق تقريباً، ما يعني استمرار وجودها في مركز الحدث.
لكن ماري لم تستطع أن تقول شيئاً آخر، فقد تم اغتيالها بعد الحادث بأقل من شهر. دهمتها سيارة مسرعة فور خروجها من أحد النوادي الليلية، ما يعني وفاة الشاهدة الوحيدة التي كانت الأقرب إلى الحدث، أو على الأقل آخر من شاهد الدكتور المشد.
علق راديو إسرائيل على وفاة الدكتور المشد نقلاً عن مصادر إسرائيلية: «إنه سيكون من الصعب جداً على العراق مواصلة جهوده لإنتاج سلاح نووي بعد اغتيال الدكتور يحيى المشد». وفي صحيفة «يديعوت أحرونوت» جاءت المقالة الافتتاحية بعنوان: «الأوساط كلها في إسرائيل تلقت نبأ الاغتيال بسرور».
الضربة القاضية
في صباح 5 يونيو من عام 1981 (ذكرى النكسة)، كانت طائرة الرئيس السادات تهبط في مطار شرم الشيخ، وكان آنذاك مطاراً إسرائيلياً خاضعاً للسيادة الإسرائيلية على رغم أنها أرض مصرية، وأصر الصهاينة على استقبال السادات بشكل رسمي وكأنه في دولة أخرى وليس في جزء من أرض مصر، واستقبله مناحم بيغن رئيس وزراء إسرائيل في ذلك الحين، وطالبه بيغن بعدم تدخل مصر إذا ما غزت إسرائيل لبنان (وهو ما تم بعد الزيارة بأيام)، لكن السادات طالبه خلال المؤتمر الصحافي المشترك بكف الغارات الإسرائيلية على لبنان، وعاد السادات في اليوم نفسه إلى مصر.
فيما أقلعت طائرة السادات من مطار شرم الشيخ، كانت 16 طائرة حربية رابضة في قاعدة «أتريون» الجوية الواقعة شرق سيناء ومستعدة لتنفيذ مهمة في غاية الخطورة.
في فجر الأحد الواقع في 7 يونيو من عام 1981، انطلقت من قاعدة أتريون الإسرائيلية ثماني طائرات فالكون إف - 16 وعلى متن كل منها 900 كيلو غرام من المتفجرات، تغطيها 8 طائرات أخرى من طراز إيغل إف - 15 مزودة بصواريخ جو/جو، وأجهزة تشويش إلكترونية، لتوفير الحماية اللازمة للطائرات المقاتلة.
قطعت الطائرات الإسرائيلية مسافة 1200 ميل بسرعة 600 عقدة، وعبروا خلالها المجال الجوي لثلاث دول عربية، وفي تمام السادسة و25 دقيقة بتوقيت العراق، كانت القاذفات الإسرائيلية تفرغ حمولتها فوق المفاعل النووي العراقي الواقع في ضاحية التوثية القريبة من بغداد وسط كثبان الرمل وأشجار النخيل المثمرة.
كانت الصواريخ التي أطلقت على المفاعل وعددها 16 تزن الواحدة منها 900 كيلو غرام إلا أن تسعة فقط انفجرت وسبعة لم تنفجر، وسقط أحدها على مخزن اليورانيوم، ولم يكن الأخير داخل المفاعل بل خارجه، لهذا لم تحدث كارثة بيئية لأن العراق كان متحسباً من محاولات إيران لقصف المفاعل فلم يضع الوقود داخله.كان العراق قد أجرى، قبل حوالي يومين من قصفه، تجربة عملية لتشغيل المفاعل استمرت 72 ساعة، وهي آخر تجارب الاستلام وعددها 11 تجربة بغية الموافقة على تسلمه من الجانب الفرنسي الذي كان في بغداد لغرض التوقيع على التسليم، حتى أن أحد المهندسين الفرنسيين قتل في الغارة عندما كان يكمل أعماله فيه
تدرب الطيارون الذين نفذوا العملية منذ وقت طويل وبسرية متناهية على التحليق على علو منخفض، خصوصاً فوق قبرص والبحر الأحمر، خوفاً من كشفها من قبل الرادارات العراقية، كذلك أنشأوا مفاعلاً كارتونياً في صحراء النقب شبيها بالمفاعل العراقي للتدرب على قصفه.شارك في تخطيط العملية وتنفيذها 230 فرداً، تحت قيادة رئيس الأركان الإسرائيلي آنذاك الجنرال رافائيل إيتان، الذي كان يخشى من تسرب أخبار عن العملية، فكان يحث رئيس الوزراء مناحم بيغن على إعطاء الأمر للبدء بالعملية