عندما يخوض وزراء غير سياسيين انتخابات برلمانية اسما ولكنها شديدة المحلية فعلا، لابد أن تخلو دعايتهم الانتخابية من أى نقاش أو حوار حول قضايا كبيرة تتعلق بالوطن حاضرا أو مستقبلا، وليس فقط من أى خطاب سياسى جاد.
ولم يتوقع أحد من تسعة وزراء كانوا مرشحين وصاروا نواباً (ألف مبروك) أن ينظموا حملات انتخابية مسيسة، وهم الذين لم يعرفوا يوما طعم العمل السياسى باستثناء واحد منهم عرفه فى عصر التنظيم الواحد الذى ما برح مقيماً فى زمننا.
ولكن هذا لا يمنع أن بعضنا على الأقل توقعوا منهم دعاية انتخابية أرقى مستوى وأداء أكثر نضجاً، حتى لا نقول نموذجاً يقدمونه لغيرهم وهم الذين يُفترض أنهم فى الصف السياسى الأول بحكم مواقعهم فى الدولة.
غير أن المشهد العام فى حملاتهم الانتخابية جاء مخيباً لهذا التوقع، بل بدا مخجلاً فى بعض جوانبه، وخصوصا الإفراط فى استغلال الدين وخلطه بالسياسة بالرغم من أنهم يمثلون حزباً صار متخصصا فى الوعظ بالمواطنة وحكومة لا تكف عن رفع شعار الدولة المدنية.
استغل كثير من الوزراء المساجد والكنائس بأشكال مختلفة بعضها مبتكر سبقوا به مرشحى «الإخوان المسلمين» الذين لم ينجحوا إلا فى تديين الانتخابات. لم يكتف أحد الوزراء بزيارة المساجد، بل نصَّب نفسه إماما للمصلين فى أحدها، وتحدث بلغة الوعظ الدينى، واعتبر أن الحديث الشريف (هناك أناس اختصهم الله بقضاء حوائج الناس) ينطبق عليه.
كما استغل وزير آخر مكبرات الصوت فى بعض المساجد فى دائرته للإعلان عن لقاءاته الانتخابية.
ولم يقتصر استغلال الدين على توظيف المساجد والكنائس بطرق شتى، بل شمل تحويل مؤتمرات انتخابية إلى أمسيات دينية ذهب أحد الوزراء فى إحداها إلى أبعد مدى عندما ارتفع صوت الإنشاد الدينى على أنغام الدف والرق.
أما قصة استدعاء الداعية عمرو خالد للقاء جمهوره بعد غياب نحو ثمانى سنوات ضمن فعاليات جمعية اجتماعية يرأسها أحد الوزراء فقد صارت معروفة بما يكفى.
وكان واضحا ما ينطوى عليه هذا السلوك من خلط بين الدين والسياسة، واستغلال نشاط دينى ضمن حملة انتخابية برلمانية، بغض النظر عن أن خصوم الوزير الذى فعل ذلك شنوا هجوما شديدا عليه سعيا إلى دعم مركزهم.
وحين يحدث هذا كله فى حملات انتخابية لبعض كبار رجال الدولة التى يقال إنها مدنية، فلا عجب أن تشارك الجمعيتان السلفيتان الأكبر حجماً (جمعية أنصار السنة المحمدية والجمعية الشرعية) فى دعم أحد الوزراء عبر إعلان تأييده.
ولو أن وزيراً فى دولة دينية مثل جمهورية إيران الإسلامية خاض انتخابات برلمانية لما فعل أكثر مما قام به بعض وزرائنا فى دولة لا يكفون هم وغيرهم من رجالها عن تأكيد أنها مدنية.
ولم يكن الدين وحده هو الذى استغله وزراء فى حملاتهم الانتخابية، فقد استغلوا قبله مناصبهم وسلطاتهم والمال العام المؤتمنين عليه. وأفرط بعضهم فى ذلك، وفى وضح النهار، كأن الوزارة هى عزبة خاصة يتصرف الوزير فى وظائفها وفق هواه، ولم يكتف بعضهم بوزاراتهم، فاستغلوا منشآت ومصالح تتبع وزارات أخرى، ومنهم من لم يتورع عن إطلاق وعود تؤدى، إذا تحققت، إلى تمييز صارخ لأهالى دوائرهم عن غيرهم من المصريين الذين أبعدهم سوء حظهم عن هذه الدوائر «المحظوظة». واستخدم بعض الوزراء سلطتهم على مرؤوسيهم فى وزاراتهم والهيئات التابعة لها أسوأ استخدام.
كان التلويح بالجزرة هو الأسلوب السائد فى التعامل مع موظفيهم، إلا لمن لا يقبل أو يتحمس حيث العصا جاهزة لمن يعصى. ولكن العصا كانت هى الاستثناء، لأن ثقافة التسول الغالبة فى المجتمع تتيح لمن يملك المنح استجابة واسعة.
وفى حملات انتخابية هذه بعض سماتها، كان طبيعيا أن يهبط مستوى الهتافات التى يطلقها أنصار الوزراء من نوع (دمه خفيف وذوق وخلا أهل الدايرة فوق) و(يا ابو دم عسل.. كل اللى شاف خدماتك يضرب بيها المثل) و(توت توت.. الوزير فتح بيوت) و(هو ده الكلام.. الوزير تمام).
وبالفعل.. هذا هو الكلام الذى لا محل لغيره فى انتخابات بلا سياسة ولا برامج ولا تنافس صحى، ولا قواعد للعبة.