قال الولد الصغير وهو يتوسد فخِذ جدته، ممدا جسده فوق بساط الرمل الناعم الذي يتوسط حوش الدار المفتوح: احكي لي يا أنا (جدتي). وتحكي الجدة لحفيدها حكاية زواجها من جده في الزمن البعيد، كان القمر يطلّ عليها من عليائه، وارتوت الأشياء من ضوئه فباتت واضحة، وردّت الأطباق الصينية التي تزيّن الجدران فوق الأبواب المطلة على الحوش، ردت الضوء الشفيف ممتزجا بألوانها فأحالت الحوش كله إلى لوحة جميلة رائعة الألوان، عينا الجدة تسافران إلى السماء تلتقيان بعين القمر، تنبسط أسارير وجهها الذي يشبه وجه نفرتاري المحفور على جدران المعبد؛ إذ ترنو الملكة القديمة إلى قرص الشمس ذات الأذرع الكثيرة الممتدة منها في كل اتجاه، توزع الخير على أجزاء الكون. قالت الجدة وهي تروى قصة زواجها: زمان يا ولدي قبل أن يجيء أبوك إلى الدنيا.. قبل أن يأتي جَدك إلى دارنا ليطلب يدي من أبي، في ذلك الوقت - قاطعها الحفيد: كنت أجمل الجميلات - فانفرجت شفتاها عن بسمة لؤلؤية جميلة، وقالت: كنت صغيرة يا ولدي مثل البدر الذي أحببتُه حتى العشق، فأحبني، أخذت من حلاوته وأعطاني، كل ليلة كنت أسهر معه في وجهه أرشق عيني وأناجيه، فخلع عليّ استدارة وجهه، وسحر عينيه، وصفاء الوجه، والكل يناديني: أونت (القمر)، ونسوا اسمي الحقيقي".