ولدت روز اليوسف (فاطمة محمد محيي الدين اليوسف) عام 1888 لأسرة لبنانية، ثم هاجرت إلى مصر وهي دون الرابعة عشرة، لتتعرف عل عزيز عيد المسرحي الكبير وقتذاك، فضمها إلى فرقته المسرحية التحقت روز اليوسف "وهو اسمها الفني الجديد" بفرقة عبد الله عكاشة التي كان يمولها، الاقتصادي المصري الكبير طلعت حرب، ثم تركتها بعد أن لمست فيها بعض الفوضى والإهمال. وفجأة تتخذ روز اليوسف قرارها المفاجئ بالاعتزال، والبعد عن المسرح، أسست مجلة روز اليوسف الفنية، بعد أن أتتها فكرتها في جلسة ودية أثناء تناولها بعض الحلوى في محل "كساب " الشهير، وقتها، وهي برفقة بعض أصدقائها، منهم محمود عزمي وأحمد حسن وإبراهيم خليل، وكان صحفيا بجريدة البلاغ الوفدية، وتطرق الحديث إلى ضرور وجود صحافة فنية محترمة خالية من السطحية والابتزاز، ثم انصرف الجميع وفي ظنهم أن الأمر ليس جادا، لكن الحلم أصبح حقيقة، وشارك في تحرير العدد الأول نخبة من ألمع كتاب مصر، منهم العقاد وزكي طليمات وأحمد رامي وحبيب جاماتي. وكان للعقاد موقف طريف معها، فقد رفض في البداية أن يشارك في تحرير مجلة عنوانها اسم سيدة، لكن قبل في النهاية، وكانت المجلة فتحا جديدا للصحافة الفنية، فحملت أغلفتها رسوم " رفاييلو" و"مايكل أنجلو"،كما حفلت بكثير من التحليلات الفنية الراقية التي خالفت المزاج السطحي، الذي كان سائدا في فترة ما بين الحربين.
تعرضت "روز" لهزات عديدة كانت كفيلة بإسقاط حلمها للأبد، وأولى الهزات كانت في البداية، عندما اكتشفت أن تكاليف إصدار المجلة أكثر من المدون في الدراسة التي أعدها لها إبراهيم خليل، كما أن ثمن النسخ المباعة لن تحصل عليه إلا مع إصدار العدد الثاني، ولم يكن معها ما يكفي، فظهر بعد نظرها عندما اقترحت عمل اشتراكات للمجلة، وهو مامكنها من الاستمرار من نجاح إلى نجاح حتى كان الموعد مع السياسة وألاعيبها. امرأة وسط النار دخلت فاطمة اليوسف إلى حقول الألغام بقدميها راضية مرضية بقلب لا يعرف الخوف، وعقل يأبى التراجع، فقد آمنت أن الأيدي المرتعشة لن تبني حجرا أو تكتب سطرا، فكان قرار تحويل المجلة إلى مجلة سياسية، بعد أن هبط التوزيع لحاجة القراء لأخبار الفضائح وكواليس النجوم، ورفضه التحليلات الفنية الراقية، وهو ما كانت تصر عليه روز، فكان القرار الصعب الذي واجه عقبات كثيرة منها اعتراض الحكومة على قرار التحويل خشية أن تصير لسان حال حزب الوفد المعارض حينها، فذهبت لمقابلة رئيس الوزراء أحمد زيوار بنفسها، فاستقبلها بود ، ثم استدعى وزير الداخلية، وقال له بالحرف الواحد "خلوها تاكل عيش"، وانصرفت من عنده والترخيص في يدها.
تعرضت "روز" لهزات عديدة كانت كفيلة بإسقاط حلمها للأبد، وأولى الهزات كانت في البداية، عندما اكتشفت أن تكاليف إصدار المجلة أكثر من المدون في الدراسة التي أعدها لها إبراهيم خليل، كما أن ثمن النسخ المباعة لن تحصل عليه إلا مع إصدار العدد الثاني، ولم يكن معها ما يكفي، فظهر بعد نظرها عندما اقترحت عمل اشتراكات للمجلة، وهو مامكنها من الاستمرار من نجاح إلى نجاح حتى كان الموعد مع السياسة وألاعيبها. امرأة وسط النار دخلت فاطمة اليوسف إلى حقول الألغام بقدميها راضية مرضية بقلب لا يعرف الخوف، وعقل يأبى التراجع، فقد آمنت أن الأيدي المرتعشة لن تبني حجرا أو تكتب سطرا، فكان قرار تحويل المجلة إلى مجلة سياسية، بعد أن هبط التوزيع لحاجة القراء لأخبار الفضائح وكواليس النجوم، ورفضه التحليلات الفنية الراقية، وهو ما كانت تصر عليه روز، فكان القرار الصعب الذي واجه عقبات كثيرة منها اعتراض الحكومة على قرار التحويل خشية أن تصير لسان حال حزب الوفد المعارض حينها، فذهبت لمقابلة رئيس الوزراء أحمد زيوار بنفسها، فاستقبلها بود ، ثم استدعى وزير الداخلية، وقال له بالحرف الواحد "خلوها تاكل عيش"، وانصرفت من عنده والترخيص في يدها.
العدد الاول من مجلة روز اليوسف
كانت روز اليوسف السياسية ثرية بمواهب عديدة أفسحت لها صاحبة المجلة المجال للكتابة فتحولت إلى نجوم، ومن هذه المواهب مصطفى أمين وكامل الشناوي وعلى أمين وفنان الكاريكاتير صاروخان، أصبحت المجلة هى الأولى على الساحة، وساعدها على ذلك بجانب المواهب أن مصر في تلك الفترة كانت حبلى بالأحداث والصراعات السياسية، كالمواجهة بين الوفد والإنجليز، ومقتل السردار الإنجليزي سير لي ستاك، ومحاكمة المتهم بقتله واسمه جادالله ومعه أحمد ماهر والنقراشي، وكانت أخبار القضية و متابعة الجلسات مادة ثرية في المجلة حققت بسببها توزيعا كبيرا.
أصبحت المجلة وفدية الطابع ملتصقة بالزعيم سعد زغلول، ومن بعده مصطفى النحاس، حتى أطلق خصوم الوفد عل الحزب " حزب روزاليوسف"، فما كان من النحاس إلا أن أعلن أنه يفخر بالانتساب لروز اليوسف، ومن المفارقات في هذا الشأن أيضا عندما قابلها أحمد عبد الغفار باشا وهو من أقطاب الأحرار الدستوريين، وهو حزب كبار الملاك في مصر، فبادر فاطمة اليوسف بقوله" انت مش هتسيبي الوفد وتنضمي لينا ؟"، فقالت " ويبقى اسم الحزب روز اليوسف" فرد عليها " قابلين يا ستي ".
لم يستمر شهر العسل طويلا بين الوفد وفاطمة اليوسف، فقد برز الخلاف الأشد، عندما هاجمت المجلة وزارة توفيق نسيم، وبصفة خاصة وزيري المعارف والمالية أحمد نجيب الهلالي وأحمد عبد الغفار، وهو ما رفضه الوفد ثم تم فصلها من الحزب، وتصادف أن شكل الوفد حكومة جديدة بعد نيله الأغلبية، وصادر المجلة، وتتعرض فاطمة لضغوط مادية شديدة، فتعجز عن دفع أجور الخدم وتستخدم المواصلات العامة، وتمشي لمدة ساعة يوميا من بيتها في الزيتون إلى سراي القبة لعدم قدرتها على دفع ثمن المواصلات، وتتعلل لابنها بأن الأطباء نصحوها بالمشي.
حلم لم يمت
تعددت الأزمات على فاطمة اليوسف، وكانت تخرج منها الواحدة تلو الأخرى، لم تهادن أو تعرف الخوف يوما، كأنها كانت واثقة من النجاح رغم مرارة العقبات أحيانا، ولعل أكثرها مرارة دخولها السجن بعد اشتباكها مع أحد وكلاء النيابة جاء على رأس قوة لتفتيش المجلة بطريقة عنيفة، فقالت له يظهر إنك عايز تترقى على حسابي"، فكان السجن جزاء كلمتها، ثم أفرج عنها عقب اشتداد الحملة على الحكومة، فأجبرت وكيل النيابة على التنازل.
وتجلت جرأتها الكبرى، عندما قالت لكريم ثابت، سكرتير الملك فاروق، عندما جاء ليهنئها بالمجلة في عيدها "قل لمولاك أنني أرفض تهنئته".كما نهرت أحمد حسنين باشا، رئيس الديوان الملكي، عندما طلب منها أن ينقل ابنها إحسان إليه أخبار الطلاب المتظاهرين في الجامعة، فقالت له:"إحسان لن يكون جاسوسا".
مرت تلك المواجهات على روز رغم شدتها مرور الكرام، لكن المصادمات لم تخل من مهانة، ولعل أغربها، عندما رفع عليها أحد المحررين دعوى قضائية لتسديد ستة جنيهات، وأصر على أن يتم الحجز على بعض حاجياتها التي ذكرها بالتحديد، وكانت المفاجأة أنها بعض ملابسها الداخلية.
تسامحت روز اليوسف عن كل ذلك، ونجحت في أن تحفر لنفسها اسما بارزا في تاريخ صاحبة الجلالة، كأول سيدة تؤسس مجلة سياسية ما زالت قائمة لليوم، كما أنجبت للأدب العربي أديبا مرموقا هو إحسان عبد القدوس، الذي اعتلى عرش الصحافة أيضا، بحملات ناجحة عن الأسلحة الفاسدة، ومواجهة سطوة الضباط بعد ثورة يوليو.
من نجاح لنجاح، ومن تحد إلى آخر تكونت أسطورة روز اليوسف، وسيستمر صداها للأبد، حتى بعد أن أسلمت الروح في التاسع من أبريل عام 1958 عن عمر يناهز 68 عاما، قضتها في خدمة العقل العربي.
أصبحت المجلة وفدية الطابع ملتصقة بالزعيم سعد زغلول، ومن بعده مصطفى النحاس، حتى أطلق خصوم الوفد عل الحزب " حزب روزاليوسف"، فما كان من النحاس إلا أن أعلن أنه يفخر بالانتساب لروز اليوسف، ومن المفارقات في هذا الشأن أيضا عندما قابلها أحمد عبد الغفار باشا وهو من أقطاب الأحرار الدستوريين، وهو حزب كبار الملاك في مصر، فبادر فاطمة اليوسف بقوله" انت مش هتسيبي الوفد وتنضمي لينا ؟"، فقالت " ويبقى اسم الحزب روز اليوسف" فرد عليها " قابلين يا ستي ".
لم يستمر شهر العسل طويلا بين الوفد وفاطمة اليوسف، فقد برز الخلاف الأشد، عندما هاجمت المجلة وزارة توفيق نسيم، وبصفة خاصة وزيري المعارف والمالية أحمد نجيب الهلالي وأحمد عبد الغفار، وهو ما رفضه الوفد ثم تم فصلها من الحزب، وتصادف أن شكل الوفد حكومة جديدة بعد نيله الأغلبية، وصادر المجلة، وتتعرض فاطمة لضغوط مادية شديدة، فتعجز عن دفع أجور الخدم وتستخدم المواصلات العامة، وتمشي لمدة ساعة يوميا من بيتها في الزيتون إلى سراي القبة لعدم قدرتها على دفع ثمن المواصلات، وتتعلل لابنها بأن الأطباء نصحوها بالمشي.
حلم لم يمت
تعددت الأزمات على فاطمة اليوسف، وكانت تخرج منها الواحدة تلو الأخرى، لم تهادن أو تعرف الخوف يوما، كأنها كانت واثقة من النجاح رغم مرارة العقبات أحيانا، ولعل أكثرها مرارة دخولها السجن بعد اشتباكها مع أحد وكلاء النيابة جاء على رأس قوة لتفتيش المجلة بطريقة عنيفة، فقالت له يظهر إنك عايز تترقى على حسابي"، فكان السجن جزاء كلمتها، ثم أفرج عنها عقب اشتداد الحملة على الحكومة، فأجبرت وكيل النيابة على التنازل.
وتجلت جرأتها الكبرى، عندما قالت لكريم ثابت، سكرتير الملك فاروق، عندما جاء ليهنئها بالمجلة في عيدها "قل لمولاك أنني أرفض تهنئته".كما نهرت أحمد حسنين باشا، رئيس الديوان الملكي، عندما طلب منها أن ينقل ابنها إحسان إليه أخبار الطلاب المتظاهرين في الجامعة، فقالت له:"إحسان لن يكون جاسوسا".
مرت تلك المواجهات على روز رغم شدتها مرور الكرام، لكن المصادمات لم تخل من مهانة، ولعل أغربها، عندما رفع عليها أحد المحررين دعوى قضائية لتسديد ستة جنيهات، وأصر على أن يتم الحجز على بعض حاجياتها التي ذكرها بالتحديد، وكانت المفاجأة أنها بعض ملابسها الداخلية.
تسامحت روز اليوسف عن كل ذلك، ونجحت في أن تحفر لنفسها اسما بارزا في تاريخ صاحبة الجلالة، كأول سيدة تؤسس مجلة سياسية ما زالت قائمة لليوم، كما أنجبت للأدب العربي أديبا مرموقا هو إحسان عبد القدوس، الذي اعتلى عرش الصحافة أيضا، بحملات ناجحة عن الأسلحة الفاسدة، ومواجهة سطوة الضباط بعد ثورة يوليو.
من نجاح لنجاح، ومن تحد إلى آخر تكونت أسطورة روز اليوسف، وسيستمر صداها للأبد، حتى بعد أن أسلمت الروح في التاسع من أبريل عام 1958 عن عمر يناهز 68 عاما، قضتها في خدمة العقل العربي.