قام بالمغامرة: محمود عبد الرحمن تصوير - حسام محمد
الأثنين , 30 مايو 2011 21:04
أصبح للبلطجية والخارجين علي القانون الكلمة الأولي في تحديد مصير العديد من المؤسسات وجهات العمل في مصر،
وخاصة بعد حالة الانفلات الامني التي ضربت مصر بعد اندلاع ثورة 25 يناير وما صاحبها من انسحاب لقوات الشرطة، حتي المناطق الطبيعية لم تسلم منها، وراحوا يضربون فيها بكل قوتهم، من اجل الحصول علي المال دون أن ينظروا إلي مخاطر وجرم ما يرتكبون لتكون النتيجة اتلاف شيء لا يقدر احد علي اعادة اصلاحه، ويبقي الجميع في انتظار النظرة الإلهية لاعادتها إلي ما كانت عليه.
»بحيرة المنزلة« من هذه المناطق التي يعبث بها البلطجية حيث حولوها إلي ما يشبه الانفاق الواصلة بين مدينتي »رفح المصرية والفلسطينية« حيث استخدموها في تهريب السولار المدعم والمواد التموينية المخصصة لمكاتب التموين لأهالي محافظة الدقهلية ولكن ليس لمساعدة أشقائنا الذين يواجهون الاحتلال الصهيوني ولكن تنفيذاً لاوامر مجموعة من اصحاب الاجندات الخارجية الذين يسعون إلي احداث فتنة وأزمة داخلية.
وتهريب السولار عن طريق »بحيرة المنزلة« بدأ منذ عدة سنوات ولكنه ازداد خلال الاشهر الماضية وبالتحديد في أعقاب ثورة يناير، في ظل الانفلات الامني الذي ضرب أرجاء مصر كلها، مما دعا بعض أصحاب النفوذ ورجال الاعمال - بعد الاستعانة بالبلطجية واصحاب السوابق - لاستغلال الموقف والاتجار في السولار المدعم الذي توفره وزارة البترول لبنزينات محافظة الدقهلية وقاموا بانشاء العديد من الاكشاك بطول شاطئ البحيرة لتخزين جراكن السولار فيها، ولتكون قريبة من اللانشات التي تقوم بنقلها إلي السفن الموجودة في منطقة »بوغازي الجميل« وعند وصولها إلي عزبة البرج في دمياط يتم نقلها إلي مراكب الصيد الموجودة في البحر الابيض ليتم تهريبه إلي خارج القناة ويتم ذلك بنوع من التفاهم بين أصحاب السفن ووكلاء السفن الموجودين في مصر الذين يقومون بالتربيط مع التجار في عزبة البرج، الاخطر من ذلك أن التهريب لم يعد يقتصر علي السولار فقط، ولكنهم اتجهوا لتهريب المواد التموينية المدعمة »الأرز والزيت والدقيق« والتي يتم صرفها لأهالي المحافظة، ثم يقوم ربان هذه السفن بالقاء هذه المواد في مياه البحيرة لاسباب غير معلومة، وهو ما جعل البعض من أهالي المحافظة يتهمون الموساد بالوقوف وراء هذا التهريب لخلق أزمة داخلية في السولار والمواد التموينية.
الغريب في الأمر أن بعض أهالي »الدقهلية« طرقوا أبواب العديد من المسئولين ولكن دون فائدة وهو ما جعلهم يتوجهون بشكواهم إلي المجلس العسكري، وإرسال العديد من الفاكسات إلي مجلس الوزراء وانتهي بهم المطاف إلي التنسيق مع شيوخ وائمة المساجد لحث ابناء المحافظة لترك العمل في مثل هذا النوع من التجارة، وبالفعل استطاع أبناء المحافظة القبض علي عدد من السيارات المحملة بالسولار والمواد التموينية أثناء توجهها إلي الاكشاك وقاموا بتسليمها إلي أقسام الشرطة.
»الوفد« رصدت خط تهريب السولار في بحيرة »المنزلة« في رحلة بدأت من الثانية بعد الظهر وحتي الثامنة مساء، علي متن لنش في صحبة أحد الذين كانوا يعملون في تهريب السولار والسلع التموينية والذي علي دراية كبيرة بطرق سير اللنشات وجهات سفرها، وسط انتباه العديد من اصحاب »المواتير« الذين سارعوا بالتحدث إلينا عن مشاكلهم التي تبحث عن حلول منذ سنوات طويلة دون أي نتيجة، وانتهاء المطاف بهم إلي الوقوع في دائرة البطالة والفقر بسبب سيطرة عدد من البلطجية والسوابق علي البحيرة واخيرا كارثة تهريب السولار التي تسببت في توقف الحياة في المحافظة.
الرحلة بدأت من مجلس مدينة المطرية للاستفسار عن الاسباب الخفية وراء انتشار الظاهرة والخطة المقترحة لمعالجتها والقضاء عليها ولكن المسئولين داخل المجلس رفضوا التحدث إلينا بحجة أن اللواء »محسن حفظي« محافظ الدقهلية قد أصدر تعليماته بمنعهم من التحدث إلي أي جهة اعلامية إلا بعد الرجوع إليه.
نصحنا »الدليل« ببدء الرحلة من منطقة »المجاير« التي يسيطر عليها مجموعة مكونة من خمسة أفراد من البلطجية وارباب السوابق أربعة منهم هاربون من حكم بالسجن المؤبد والخامس هارب من حكم الاعدام وهؤلاء يتولون مهمة الدفاع عن الكبار الذي يتاجرون في تهريب السولار، وتنتشر علي شاطئها العديد من الاكشاك التي تضع بجوار جدرانها جراكن عملاقة تستخدم في نقل السولار، الغريب أن جميع الصيادين واصحاب المواتير رفضوا التحدث معنا، وسط تهديد البعض لنا بمنع تصوير الاكشاك والجراكن المحيطة، بها بخلاف شخص اطمأن لنا وقرر أن يضع حياته وراء ظهره ويتحدث إلينا عن عمليات التهريب التي لا تنتهي، والتي قلت هذه الايام بعد أزمة السولار التي تتعرض لها المحافظة هذه الايام، مؤكداً مشاهدته لسيارات وزارة البترول وهي تأتي مباشرة إلي هذه الاكشاك لتفريغ ما بها من سولار، في الوقت الذي كان يقف فيه مئات المواطنين علي البنزينات ليل نهار للحصول علي عدت ليترات.
ومن المجاير إلي وسط البحيرة عند منطقة »ابن سلام« نصحنا الدليل بسرعة الانصراف منها وعدم التوقف عندها بسبب سيطرة البلطجية عليها، حيث قاموا بعمل العديد من المراسي الطينية والتي تستخدم في نقل جراكين السولار من اللنشات الصغيرة إلي المراكب الكبيرة انتهاء بمنطقة »تنيس« الاثرية والتي يشتعل بالقرب منها نار وسط المياه يصل دخانها الي عنان السماء وعن الاستفسار عن سببها أخبرنا بأنها مشتعلة منذ أكثر من يومين وهي عبارة عن مركب صغير كانت تحمل عدداً من الجراكن بداخلها ورجح بأن تكون جراكن سولار.
المهندس أحمد عميرة أحد أبناء مدينة المطرية ـ قال: تهريب السولار لن يكون الاخير في مسلسل التعديات علي بحيرة المنزلة وخاصة انه موجود منذ سنوات ولكنه ازداد في الشهور الاخيرة بسبب حالة الانفلات الامني.
وأضاف: لا بديل عن تسليم البحيرة للقوات المسلحة كجهة اشراف وحماية أسوة ببحيرة »البرلس« وتطبيق الاحكام العسكرية علي الخارجين عن القانون.
واتفق المهندس »محمد فرج« مع سابقه في ضرورة تسليم البحيرة لقوات الجيش وفرض حماية أمنية عليها لحمايتها والصيادين العاملين فيها، وأضاف: عمليات التهريب تتم علي مسمع ومرأي من جميع المسئولين في المحافظة دون أن يقوموا بعمل أي شيء يكون من شأنها إيقاف هذه التعديات والمهازل التي تتم فيها.
أما الشيخ محمد عبدالرحمن ـ إمام وخطيب ـ قال: لجأنا الي المنابر لحث الاهالي علي عمل لجان شعبية للتصدي للبلطجية الذين فرضوا سطوتهم علي البحيرة واستخدموها في تحقيق مصالحهم دون النظر الي مئات الآلاف من المواطنين في المحافظة، وطالب: بسرعة تطهير البحيرة من البلطجية الذين يفرضون سطوتهم عليها بالاضافة الي تطهير البواغير التي تصل بين البحيرة والبحر الابيض لإعادتها الي ما كانت عليه.
وعبدالحميد السيد ـ قال: عمليات التهريب تتم ليل نهار وجميع قيادات المحافظة يعلمون ذلك وعلي صوته وهو يقسم انه شاهد ربان سفينة مشهور بملازمته لرجل أعمال شهير في مدينة المطرية وهو يأمر العمال برمي السولار والمواد التموينية في مياه البحيرة ويعطيهم ضعف ثمنها.
"صيادو المطرية" أسرعوا بتركيب المواتير أملاً في الربح السريع
كان لتهريب السولار عن طريق بحيرة »المنزلة« العديد من الآثار السلبية علي المناطق التي يعيش أهلها علي ما يربحونة من العمل فيها وخاصة ( المطرية والنسايمة والجمالية والثبول) حيث يعمل أبناؤها بمهنة الصيد في البحيرة ، وبناء المراكب الصغيرة ، وبمجرد ظهور تجارة تهريب السولار والمواد التموينية والتي تتطلب وجود مراكب تعمل بالمواتير ، راجت صناعة المواتير ، وسارع الصيادون بتركيبها واستدانوا من بعضهم أملا في تحقيق عائد أكبر وخاصة بعد تحديد قيمة إيجار المركب بـ »ألف جنيه« في الساعة الواحدة أي بما يعادل عمله طوال شهر كامل ، وتركوا مهنة الصيد وخاصة أن مراكب ( المواتير ) لا تصلح نظرا لسرعتها وعلو صوتها ، وما هي الا ايام معدودة حتي اضمحلت عمليات التهريب والتي شارك فيها عدد كبير من صيادي البحيرة والآن لا يجدون ما يعملون به بعد سيطرة عدد من بلطجية رجال الأعمال علي البحيرة وتحويلها الي مزارع خاصة لهم.. »الوفد« زارت مدينة المطرية ورصدت حالة الفقر الذي تعاني منه بعد غلق مصدر رزقهم الوحيد وتحويلة الي (أنفاق) لتهريب السلع ، ولم يكتف المهربون بالقضاء علي البحيرة فحسب ، وانما اتجهوا لحرمان الأهالي من مخصصاتهم التموينية التي يعتمدون عليها في تدبير ظروفهم المعيشيةـ " محمد عبدالمرضي " شاب في العقد الثالث من عمره (صياد) من "المطرية" لم يجد حرجا في الاعتراف بأنه من الذين شاركوا في تهريب السولار، استنكرت في حديثي معه اشتراكه في هذا العمل فأجاب : لم أكن مصير السولار والسلع المهربة ولا الجهة التي يذهب اليها ، وكل ما كان يقال لنا إنه ذاهب الي سفن مصرية وأن التجار يلجأون لتهريبة لتفادي دفع الضرائب التي لا تنتهي ، سألتة : وهل اكتشفت غير ذلك فقال : كنت علي متن لانش متوسط الحجم مملوء بالزيت والسكر والأرز وبعد سيرنا ما يقرب من ساعتين في البحيرة أمرنا ( ريس المركب ) ـ وهو أحد أبناء المنطقة ويمتلك عددا من المراكب ـ بالتوقف ورمي ما معنا من بضائع في البحيرة وأعطانا أجرنا كاملا دون أن ينقص منه شيئاً ، فأدركنا أن هناك أسباب غير واضحة بالنسبة لنا فقررت ومجموعة من الصيادين التوقف ـ
ـ سألت " أحمدعبدالستار" (صياد ) من أبناء المطرية التقيته وهو مسترخيا علي مركبه الصغير ـ الذي يعول أسرة مكونة من خمسة أبناء والزوجة ـ عن سبب نومه ساعة العصاري ، فأجاب بنبرة صوت مملوءة بالكسل والحزن في نفس الوقت : ( العصر ذي الظهر ) ، وأضاف : البلطجية سيطروا علي مداخل البحيرة ولا نجد مكانا نقف فيه، وأكشاك الجاز الموجودة هنا ترفض البيع بحجة عدم توافره ، حتي المنازل خلت من السلع بعد تهريبها.
ـ أما " منعم الجوهري " صاحب محل لبيع الجاز بالقرب من بحيرة "المنزلة " فأشتكي بشدة من الحالة الاقتصادية السيئة التي يتعرض لها بسبب فشله في الحصول علي حصته من السولار ، وتأخر وصول سيارة البترول لمدة تزيد علي الشهر وغلاء أسعاره، وأضاف : عندما اسأل العمال عن سبب الـتأخير، دائما ما يرددون بأن القادم أسوأ ، والنتيجة: خراب البيوت الذي لحق بنا واسرنا
ثابت التميمي نقلا عن جريدة الوفد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
تعليقك يهمنا ويشرفنا